إصلاح القلوب !

تشير التقديرات الصحية، إلى وفاة ما يقرب من 17.7 مليون شخص سنوياً؛ بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، ومن بين الوفيات 7.4 مليون شخص بسبب أمراض القلب التاجية، و6.7 مليون شخص بسبب السكتة الدماغية، فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، أن أمراض القلب والأوعية الدموية CVD هي الأكثر شيوعاً للوفاة في جميع أنحاء العالم.
وأشار المختصون الصحيون إلى أنه يمكن الوقاية من معظم أمراض القلب والأوعية الدموية من خلال معالجة عوامل الخطر السلوكي؛ مثل تعاطي التبغ والنظام الغذائي غير الصحي والسمنة والخمول البدني. وحذروا من إهمال مرضى ضغط الدم والسكري وارتفاع نسبة الدهون في الدم، ولزيادة الوعي بأمراض القلب والأوعية الدموية وكيفية السيطرة عليها يتم سنوياً في 29 سبتمبر الاحتفال باليوم العالمي للقلب، فكثير من الأشخاص لا يدركون أنهم مصابون بأمراض القلب التي تكلف العالم نحو 200 مليار دولار سنوياً، وتأتي القسطرة القلبية واحدةً من أهم الوسائل التشخيصية الفعالة التي يجريها الطبيب؛ لتقييم مشكلات القلب والأوعية الدموية الشائعة؛ كونها اختباراً أو علاجاً لبعض مشكلات القلب أو الأوعية الدموية، مثل انسداد الشرايين أو عدم انتظام ضربات القلب.
40,683 عملية قسطرة
كشفت وزارة الصحة حجم تطور خدمات علاج أمراض القلب بالمملكة في السنوات الأخيرة، وذلك بزيادة عدد مراكز وأقسام علاج أمراض القلب في مختلف المناطق، وارتفاع معامل القسطرة وزيادة عدد غرف العمليات الجراحية، وأشارت إلى التوسع في إجراء عمليات قسطرة القلب للكبار خلال فترة قصيرة، بارتفاع عددها من 21,850 إلى 40,683 عملية، كما زادت عمليات قسطرة القلب للأطفال من 553 إلى 1,527 عملية، فيما زادت عمليات جراحة القلب التي تم إجراؤها للكبار من 1,618 إلى 2,300 عملية، وزادت عمليات جراحة القلب التي أجريت للأطفال من 444 إلى 658 عملية، بزيادة بلغت 48%، وزادت عمليات القسطرة الكهربائية للكبار بنسبة 129%، موضحةً أن هذا الإنجاز تحقق من خلال إنشاء البنى التحتية وتجهيز مراكز القلب، واستقطاب الأطباء المميزين، والأطباء الزائرين في هذه المراكز.
لا قيود على الطعام
«عكاظ» استطلعت آراء المختصين الصحيين عن أهمية القسطرة القلبية للمرضى، وكانت البداية مع أخصائي أول قسطرة قلبية بمستشفى الملك فهد العام بجدة الدكتور رائد حسني دسوقي؛ الذي أكد على أمان عمليات القسطرة القلبية، وتحديداً لكبار السن ومصابي الأمراض المزمنة مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم، بشرط أن يتم تقييم الحالة بدقة من قبل طبيب القلب، مشيراً إلى أنه بعد الخضوع للقسطرة، لا توجد قيود شديدة على الأكل، لكن هناك توصيات منها الإكثار من شرب الماء لطرد مادة التباين (الصبغة) من الجسم، وتجنب الأطعمة المالحة والدهنية؛ للحفاظ على صحة القلب، والحذر من تناول الكافيين أو المنبهات إذا كان المريض يعاني من اضطرابات في القلب، وفي حال وجود دعامات يُنصح بتناول أطعمة معينة تمنع التخثر وتعزز صحة الشرايين.
احذر برودة قدميك
أخصائي أول قسطرة القلبية الدكتور دسوقي، أشار إلى أنه يمكن لمريض القلب أن يدخل ثانية إلى غرفة العمليات ويخضع لعملية قسطرة في حال ظهرت أعراض جديدة؛ نتيجة انسداد الشرايين، أو عدم نجاح القسطرة الأولى في العلاج بالكامل، وكانت القسطرة الأولى تشخيصية فقط والمطلوب إجراء علاجي لاحقاً.
موضحاً أن من أسباب حدوث نزيف لبعض الحالات أثناء العملية الجراحية تتمثل في: إصابة الشريان أثناء إدخال القسطرة، ارتفاع ضغط الدم خلال العملية، تناول أدوية مميعة للدم مثل الأسبرين، ضعف في تجلط الدم نتيجة أمراض الكبد أو الكلى، ومع ذلك من النادر أن يصل ذلك النزيف إلى مرحلة الخطورة أو الوفاة، التي تحدث في حال لم يتعامل الجراح مع النزيف بسرعة خصوصاً إذا كان المريض يعاني من أمراض مزمنة تؤثر على التجلط أو الكلى.
وحذر الدكتور دسوقي من عدم التجاهل في حال الشعور ببرودة في القدمين بعد عملية القسطرة أو تحولها إلى اللون الأزرق، فهذه الأسباب تشير إلى تجلط دموي في الشريان المستخدم بالقسطرة، وتضيق أو انسداد في تدفق الدم للطرف، وحدوث تأثير جانبي على الدورة الدموية بسبب العملية، لذا يُنصح بمراجعة الطبيب فوراً إذا استمر الشعور أو تفاقم اللون.
متى تلغى العملية؟
أخصائي أول قسطرة قلبية بمستشفى الملك فهد العام بجدة الدكتور دسوقي، أشار إلى أن المريض أثناء القسطرة عادة لا يشعر إلا بوخزة عند إدخال الإبرة، نتيجة وضع تخدير موضعي، وبعد العملية يشعر بألم بسيط أو ضغط في موضع الدخول (الفخذ أو اليد)، يختفي خلال يوم أو يومين، مبيناً أن إجراء قسطرة الشرايين قد تُؤجَّل أو تُلغى في حال وجود عدوى نشطة في الجسم، أو نقص شديد في وظائف الكلى (إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى)، وأيضاً إذا كان المريض يعاني من حساسية شديدة من الصبغة المستخدمة، ووجود مشكلات في تجلط الدم غير مُسيطر عليها، وأثناء حمل المرأة.
%95 نسبة النجاح
استشاري القسطرة التداخلية والهيكلية للقلب بمستشفى الملك فهد العام الدكتور صالح محمد خوج، يرى أن الذين يتأثرون عند القسطرة من الصبغة لديهم قصور في وظائف الكلى، وللتقليل من تأثيرها على الكلى نوصي دائماً بشرب السوائل وإعطاء المريض محاليل قبل أو أثناء العملية، مشيراً إلى أن الأدوات المستخدمة لفتح الشرايين عديدة بين بالون، دعامات، بالونات دوائية، بالونات تفتيت التكلسات وغيرها.
استشاري القسطرة التداخلية والهيكلية الدكتور خوج، أوضح أن قسطرة القلب هي إجراء غير جراحي يتم من خلاله إدخال أنبوب رفيع في الأوعية الدموية للوصول إلى القلب، وهي أقل توغلاً ونسبة نجاح عمليات القسطرة تصل إلى أكثر من 95%، فيما تصل نسبة الوفاة من عمليات القسطرة العلاجية 1%، ويعتمد ذلك على حالة المريض إذا كانت حالته الطبية حرجة، ويعاني من انسداد شرايين خطرة تزداد خطورة عند العملية.
وأوضح الدكتور خوج أن الدعامات المستخدمة في القسطرة القلبية، تكون دائمة في الشريان، ويختلف عمرها الافتراضي من مريض عن الآخر، بعضها تصل إلى 10 سنوات، والبعض أقل من سنة واحدة وهم قلة، ويعتمد ذلك على التزام المريض بالتعليمات الطبية للحفاظ على الدعامات فترة أطول، التي تركب بحسب الاحتياج الضروري، وبعد تركيبها تبقى ثابتة في الشريان دون تحرك.
وعن حدوث انتفاخ أو الشعور بألم في منطقة دخول القسطرة، قال الدكتور خوج: في هذه الحالة لا بد من مراجعة الطبيب وعمل أشعة، ومع ذلك من النادر حصول التهابات في منطقة القسطرة لأنها فتحة صغيرة.
كيف تحافظ على قلبك؟
أخصائي أمراض القلب بمستشفى الملك فهد العام الدكتورة علا عبدالمجيد، حذرت مرضى القسطرة القلبية بعد إجراء العملية، من سحب الأجسام الثقيلة أو رفع ما يزيد وزنه على 4.5 كغم لمدة تراوح بين 5-7 أيام، لتقليل الحمل والعبء على عضله القلب مع ضرورة الامتناع عن القيام بأي نشاط مُرهِق لمدة 5 أيام بعد القسطرة، ويشمل ذلك معظم الأنشطة الرياضية مثل الهرولة والغولف والتنس والبولينغ، والحرص على صعود ونزول الدرج ببطء في حال الاضطرار إلى استخدامه، والبدء في ممارسة النشاط اليومي في الأسبوع الأول تدريجياً إلى حين التمكن من العودة إلى نمط الحياة الطبيعية. وأكدت أخصائية القلب الدكتورة علا، أن نسبه نجاح عمليات القسطرة 99%، ولها تأثير على خفض معدلات الوفاة لدي مرضى القلب والجلطة القلبية والذبحة الصدرية، كما أن مضاعفات المرض تقل بنسبه ما بين 60 - 70% عن المرضى الذين لم يجروا عمل قسطره للقلب.
وللحفاظ على صحة القلب بعد عملية القسطرة قالت الدكتورة علا عبدالمجيد: لا بد من اتباع تعليمات الطبيب والابتعاد عن التدخين وعدم الافراط في استهلاك الكافيين في القهوة والشاي بحيث لا يتجاوز معدل استهلاك القهوة عن كوب واحد وكوبين من الشاي إلى كوب واحد في اليوم الواحد حتى لا يتسبب في انسداد الدعامة القلبية أو انسداد شرايين أخرى للقلب أو حدوث خفقان أو رفع الضغط، مع تجنب رفع الأشياء الثقيلة، وشرب كمية وفيرة من الماء، وتجنب السباحة في الأسبوع الأول بعد العملية، وتجنب التدخين السلبي، مع أهمية اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وأفضل الرياضات هي المشي للحفاظ على نسبه السكر في الدم وضغط الدم في المستويات الطبيعية لمرضى ارتفاع السكر والضغط والاستمرار على الأدوية.
متى تحدث الوفاة؟
الدكتورة علا أوضحت أن تكرار عمليات القسطرة قد يشير إلى وجود مرض قلبي مستمر أو متكرر، مما يزيد من احتمالية حدوث مضاعفات، وقد تزيد من الوفاة أو الإصابة بأزمة قلبية، خصوصاً إذا كانت العمليات متكررة أو معقدة؛ لأنها تضع ضغطاً إضافياً على القلب والأوعية الدموية، ومع ذلك تؤكد فائدة القسطرة في تشخيص وعلاج مشكلات القلب غالباً تفوق المخاطر، خصوصاً إذا كانت هناك أعراض أو حالات خطيرة. محذرةً من مضاعفات تناول أدوية ما بعد القسطرة مع بعض أدويه الأمراض المزمنة خصوصاً إذا كان لدى المريض أمراض مزمنة، نتيجة التفاعلات الدوائية، لذا بعض الأدوية تتطلب تعديل جرعاتها أو مراقبة إضافية.
تشخيص الشرايين
استشاري أمراض القلب بمستشفى الملك فهد الدكتور علي الغامدي، أوضح أن عملية قسطرة الشرايين هي إجراء تداخلي يكون تحت تخدير موضعي بسيط لمنطقة إدخال القسطرة من خلال شريان الفخذ أو اليد، ومن ثم حقن صبغة لتمكين معاينة الشرايين التاجية بالقلب من خلال تصوير اشعة (X) ليسهل تشخيص وجود أي انسدادات أو تضيقات بالشرايين التاجية بشكل أساسي وتحديد مسار الشريان وتفرعاته، والمخاطر والمضاعفات قليلة أهمها الحساسية من الصبغة واعتلال وظائف الكلى أو حصول نزيف موضعي أو تمزق شرياني.
موضحاً أن القسطرة هي إجراء طبي شائع ويلجأ إليه لأطباء لتشخيص نقص تروية القلب خصوصاً في الحالات الطارئة عند حدوث جلطات قلبية وعند تشخيص انسداد الشرايين التاجية وتقييم وظيفة شرايين القلب والصمامات وعضلة القلب، وذلك لتشخيص الشرايين التاجية الضيقة أو المسدودة بمادة شمعية (البلاك)، و إجراء التدخل العلاجي للشرايين المتضيقة أو المسدودة، البحث ومعالجة العيوب الخلقية في الصمامات أو بين حجرات القلب وقياس درجة الأكسجين فيها مع تقييم وظائف عضلة القلب وتقييم درجة كفاءة صمامات القلب. ويتم ذلك عن طريق إدخال أنبوب رفيع مجوف يسمى (القسطرة) ويتم توجيهه عن طريق الأوعية الدموية، إما في الذراعين أو الفخذ، من خلال وضع دعامات بالشرايين حسب الحاجة أو التوجيه للعلاج الجراحي أو الدوائي، ومن فضل الله يقدم الحل اللازم لأغلب حالات نقص التروية والحالات الطارئة للجلطات القلبية، لكن هناك حالات يتم إجراء القسطرة التشخيصية، ويكون العلاج الأمثل هو التدخل الجراحي.
مشيراً إلى أن مدة مكوث المريض في المستشفى تعتمد على حالته الصحية واستقرارها، ومع ذلك معظم الحالات تغادر المستشفى بعد يوم أو يومين في حال كانت القسطرة طبيعية ونتائج الفحوصات سليمة وعلاماته الحيوية مستقرة.