التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة

لا يأسرك الفنان التشكيلي أحمد الخزمري بألوان لوحته فقط، ولا فكرتها، ولا عبق الأصالة في أعماله المُجاور لشذى الحداثة،

التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة

لا يأسرك الفنان التشكيلي أحمد الخزمري بألوان لوحته فقط، ولا فكرتها، ولا عبق الأصالة في أعماله المُجاور لشذى الحداثة، بل هو كيان من الأدب والسمت الذي يثير الأسئلة عما يعتمل في داخله. ولا أبالغ إن قلتُ إنه اليوم من أبرز رموز المدرسة التجريدية عربيًا، وربما عالميًا، ولأنه طاقة إيجابية كان هذا الحوار الذي اقتنصنا سوانحه الفارهة عشيةَ ليلةٍ بدريّةٍ على قمم جبال السراة، فإلى نصّه:

www.sentrypc.com
www.sentrypc.com

• هل وُلِد أحمد الخزمري فنانًا تشكيليًا؟

•• وجدت نفسي في مكان زاخر بالجمال، وتأثرت وقتها بصريًا بمكنونات الطبيعة، وتملكني شغف تشكيل الأشياء، وصياغتها بشكل فنّي عفوي، وأيقنت بانتمائي لهذا التوجه البصري، وأحسست أن عندي القدرة على صياغة شيء مختلف، وإخراج الأشكال بطريقة فنيّة يتقبلها من حولي، وتكون مؤثرة وتعكس رؤيتي البصرية من خلال حصص الرسم بالمدرسة.

• لماذا كان المسار تشكيليًا ولم يكن شعريًّا أو سرديًّا؟

•• بحكم أنني فتحتُ عيني على رحم الطبيعة، وكنت أستمتع وأعايش وأتفاعل مع كل التشكيلات الطبيعية الجمالية بصريًا، وكنت شغوفًا بمتابعة كل زاوية من منظور جمالي وباهتمام بالغ، وللباحة دور في ثراء وتأسيس الذائقة بحكم تنوع التضاريس، واختلاف الفصول وتشكلاتها، وما تحوية من مناخ وطبيعة خلابة، وانعكاس التضاريس والمناخ على الأرض والمباني الحجرية وهندستها وتناسق بنائها واندماجها مع الطبيعة والإنسان في ذلك الوقت غدت مصدر الإلهام والبحث، وأثارت في داخلي بعض التساؤلات وخلقت في ذهني استشعار الدهشة والتفاعل مع كل لقطة ينفتح عليها وبها وعيي، وعززت الحوار مع الذات والتفكر في الاستفادة ونقل الموروث بشكل فني بصري معاصر، والحمد لله أستطيع أن أقول حاليًا إنني وصلت إلى ما كنت أصبو إليه من خلال ما أطرحه في أعمالي.

• من هو أو هي معلمك أو معلمتك الأولى التي فتحت عينيك على فتنة الألوان؟

•• كما ذكرت كانت الطبيعة هي الملهمة الأولى، تعايشت معها بحب، شروق الشمس الذهبية، والغروب الحالم يشعرانني باستمرارية الحياة وتعاقبها وجمالها وانعكاسها على الأشياء والأماكن التي كانت تثير احساس الاختزال والاستمتاع، وفي كل نظرة واتجاه تجد غزارة الجمال والإبداع متمثلًا في الأزياء والفنون الشعبية والمباني القديمة من حصون وقلاع شُيّدت بمهارة وإتقان، ومن كان يعملوا عليها فنانون بالفطرة، وبالتالي كانت تضيف لي نوعًا من التفاعل والمخزون البصري الممتع.

• ما أوّل رسم لفت انتباه الآخرين لموهبتك الفنيّة؟ ومتى؟ •• مشاركتي بمعرض أعضاء بيت الفنانين التشكيليين بمنطقة البلد في جدة مطلع بداياتي عام 1994، كان لها وقع كبير في نفسي، كانت الآراء جادة ومهمة ورافعة للمعنوية ومنحتني نوعًا من الثقة بالنفس والانطلاقة الحقيقية ومسؤولية للبذل ومقارعة الفنانين الكبار، من بينهم الفنان السعودي القدير طه صبّان وأنا أعدّه معلمي الأول وتأثرت بأسلوبه وألوانه ودراسة التكنيك وطريقة تناوله للمواضيع الاجتماعية والتراثية والبيئية المعاصرة.

كما تأثرت بأعمال الفنان الكويتي القدير عبدالرسول سلمان وكنت من أشد المعجبين بأعماله، وأيضًا الفنان المصري الدكتور أحمد نوّار، فلهما تجارب ملهمة تشاهد فيها مدى الخبرة والتمكن والإبداع.

• من أين بدأت؟

•• من الطبيعي بداية أي فنان بالمدرسة الواقعية، وأنا كذلك كانت بداياتي بالمدرسة الواقعية؛ وهي الأسلوب الأمثل لتعلم الأبعاد، والظل والنور، وتوزيع العناصر، والتوازن، ودراسة المساحة، والخلفية، والألوان، والتضاد، والمكونات الأخرى للعمل الواقعي المكتمل العناصر والمتقن.

والتدرج من خلال المدارس طبيعي وصحي، يراكم الخبرات، ويفرض التخلي عن بعض العناصر بالعمل الفني، بل الاختزال والمعاصرة، لينتقل بك إلى المدرسة التجريدية، والحمد لله وصلت إلى هذا المستوى وأصبحت ممارسًا ومتمكنًا من دراسة العمل التجريدي وبأسلوبي المعاصر المعروف حاليًا.

• لمن تعزو الفضل في إبراز موهبتك؟

•• ربما يكون للحظ دور في إبراز الموهبة، والبعد عن الفنانين ومعارضهم فالعين تختزل، واكتساب الخبرات بجهود ذاتية، والإصرار والاطلاع والاستمرار هو الأهم.

• لأي المدارس الفنيّة تنتمي؟ وما الذي شدّك لهذه المدرسة تحديدًا؟

•• بكل صدق وجدت نفسي في المدرسة التجريدية؛ التي تعطي نوعًا من المساحة والبحث والإبهار والمعاصرة، والالتقاء مع الآخر، والحوار والاستنتاج والطرح.

• أين كان معرضك الأوّل؟ ومتى؟

•• بعد تجارب ناضجة ومشاركات عدة داخليًا ودوليًا قررت أن أقيم معرضي الشخصي الأول (حنين) في غاليري (نايلا الرياض) عام 2017.

• كم معرضًا شاركت فيه؟ وماذا عن مشاركتك عربيًّا وعالميًّا؟

•• أسهمتُ بمشاركات في معارض ومسابقات شخصية وجماعية داخل المملكة، وعربيًا ودوليًا، وربما تجاوزت 120 معرضًا تقريبًا.

• ما أثر المشاركات العربية والدولية على تجربتك؟

•• أكيد المشاركات العربية والعالمية لها دور كبير في تنامي الفكر والاطلاع، والاحتكاك بخبرات كبيرة والاستفادة منها في التأثير والتأثر والمحاكاة.

• ما العلاقة بين اللون والنص الإبداعي؟

•• العلاقة بين اللون والنص الأدبي الإبداعي تكمن في قدرة اللون على تجسيد المشاعر والأفكار داخل النص. اللون يُستخدم كرمز أو عنصر تصويري يعزز الأبعاد الجمالية للنص، ويعبّر عن الحالة النفسية للشخصيات أو أجواء الأحداث. كما يمكن للألوان أن تضيف طبقات من الدلالات الرمزية والثقافية التي تعمق تجربة القارئ وتثري النص الإبداعي.

• متى يتعمد أحمد الخزمري الإيغال في رمزيّة لوحته؟

•• عندما أرغب في إيصال معانٍ عميقة أو متعددة الأبعاد تتجاوز الظاهر، ما يدعو المتلقي للتأمل والتفسير الشخصي. غالبًا يحدث ذلك للتعبير عن قضايا فلسفية اجتماعية أو عاطفية معقدة، أو لجعل العمل الفني مفتوحًا للتأويل والبحث.

• ما أطول وقت أخذته منك لوحة؟ وكم أقصر وقت؟

•• بعض الأعمال ربما تستلزم عدة أشهر لنضوج الفكرة واكتمال المعنى والاقتناع بما يُطرح على المسند، وربما يكون من الصعوبة الاستعجال في طرح العمل، وبالتالي تحتاج اللوحة إلى وقت أطول إلى بلوغها مرحلة الاكتمال واستخلاص المعنى والتحاور معه وتنفيذه.

وفي الجانب الآخر عند وضوح الفكرة ونضوج التجربة والاستعداد تتبقى السيطرة على الأدوات، والتمكن من الوصول واكتمال الطرح، وبسهولة خلال ساعات يكون العمل منجزًا، وأيضًا العامل النفسي له دور كبير في الحالتين.

• هل تبدأ اللوحة بفكرة؟ وما اللون الأوّل في لوحتك؟ ولماذا؟

•• الفكرة أولًا، وفي بداية أي عمل تشكيلي لكي يأخذ عمقًا لونيًا وللعمل عليه بشكل احترافي يفضل تأسيسه بالألوان الغامقة مثل اللون الأسود أو البني أو الأخضر الغامق.

• ما أجمل كلمة ثناء سمعتها عن لوحاتك؟

•• الثناء وبعض الكلمات الجميلة غالبًا ما تكون من خلال المسابقات أو المشاركات الفاعلة والمهمة، وأفضل إشادة ولا أنساها وتمثل حافزًا كبيرًا لي، كانت تهنئة وبإجماع أعضاء لجنة التحكيم بمسابقة سوق عكاظ وحصول عملي على المركز الأول، وكان مصدر فخر واعتزاز.

• من الذي يحدد سعر عملك التشكيلي؟

•• في الغالب أنا أحدد سعر عملي لمعرفتي بمراحل إنتاج العمل والخامات المستخدمة ومقاسات العمل والفكرة وتاريخ العمل وأشياء أخرى.

• ما المبلغ الذي تقاضيته على عمل وشعرتَ أنه منصف؟

•• الأعمال الفنية لا تقدر بثمن، هي عصارة فكر وجهد ونتاج ثقافي ممتد وثقافة شعوب، ولكن لا بد أن تكون الأعمال تحت نظر المتلقي ليشاهدها ويطلع على ما يتم طرحه من خلالها وما تحويه، ولكي تسجل مرحلة وتاريخًا وتجربة وانتشارًا، والذي يفترض أن يحدد سعر العمل عوامل عدة منها التزام الفنان، وتاريخه، وأسلوبه، واسمه الفني، ومشاركاته وجوائزه، وطرحه، والموضوعات والمعنى، واستخدام الخامات الجيدة، وأشياء أخرى، وتقاضيت مبلغًا وكان منصفًا جدًا غير التقدير المعنوي والمكانة لمجموعة من أعمالي موجودة في قصر الأمير مقرن بن عبدالعزيز.

• بماذا تصف الطارئين على الفنّ التشكيلي؟ وهل تعدهم ظاهرة؟ •• دخلاء الفن كُثُر ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.

• هل تجمع التشكيليين جمعية لتعزيز دورهم وتنسيق جهودهم وإبراز إبداعاتهم؟ أم جهود فرديّة؟

•• هناك جمعيات قائمة وموجودة ولكن الاهتمام بها ودعمها لا يكاد يذكر (بسيط جدًا)، ونتمنى تفعيل دورها الثقافي والاجتماعي لتعكس مستوى الفنون البصرية وتطورها.

• بماذا أسهمت هيئات وزارة الثقافة في رفد مسيرة التشكيليين؟

•• بتنظيم المعارض والفعاليات الفنية، وتوفير منح وبرامج تدريبية، وإنشاء مراكز فنية متخصصة، وتعزيز الحضور المحلي والدولي للفنانين. كما وفرت بيئة داعمة للإبداع من خلال المبادرات التي تروج للفن السعودي وتعزز الحوار الثقافي. ونأمل أن يكون الدور أكبر وأشمل لنبرز الدور وبفعالية أفضل، فالفن لغة شعوب الشعوب وهمزة وصل مع العالم.

• هل تقتني الوزارات والهيئات أعمالك وأعمال زملائك؟

•• نعم تقوم بعض الوزارات والهيئات باقتناء أعمال الفنانين التشكيليين السعوديين كجزء من دعم الفن والثقافة المحلية. يتم ذلك من خلال اقتناء اللوحات لعرضها في مقراتها أو ضمن مبادرات تهدف إلى تعزيز الفنون السعودية وإبرازها محليًا ودوليًا، هذا الدعم يُسهم في تحفيز الفنانين وتطوير الحركة الفنية في المملكة.

ونتمنى أن يكون الدور أكبر استنادًا على القرار الصادر في تفعيل دور الفنان السعودي وتشجيعه باقتناء أعماله من خلال الوزارات والهيئات والفنادق والمستشفيات والمقرات الأخرى.

• ما الذي ينقص الفنّ التشكيلي السعودي ليصل إلى العالميّة؟

•• ينقص الفن التشكيلي السعودي للوصول إلى العالمية تعزيز التسويق الدولي، وتوثيق الأعمال، وتطوير التعليم الفني، واستدامة الدعم المادي والمعنوي، وزيادة التفاعل مع المنصات العالمية عبر المعارض والشراكات الفنية.

للعلم ولقربي ومعرفتي بأغلب الفنانين السعوديين هناك تجارب سعودية فاعلة ناضجة تقارع فناني العالم وبقوة، فقط تحتاج الدعم والمساندة والاحتواء، والتوثيق، والاهتمام والمتابعة، وقاعدة بيانات تحفظ هذا الإرث العظيم.